بسم الله الرحمن الرحيم
علم المساكين
علي الموالي
عجبتُ لمن لم يختر يوم ميلاده، ولا اسمه، ولا ملامح وجهه، ولا والديه، ولا الزمان الذي وُجد فيه ولا المكان الذي احتواه، ثم تجده يتجرأ على رسم معالم الحياة، وكأنه هو من خطّ لوحتها الأولى!
كل عاقل يدرك أنه لم يختَر قَدَره، ولم يملك سلطةً على أول شروط وجوده. فكيف يُقارن بين محدودية عقله وسعة هندسة الحياة؟ كيف يجرؤ على تفسير عالمٍ لم يصنعه، ولا حتى ساهم في بنائه؟
الحياة التي وجدنا أنفسنا فيها، لم نستجلبها، بل وُلدنا وسطها: ببيئتها، ومكوناتها، ومحتوياتها، جاهزة، كأنها أُعدّت مسبقًا لتكون قاعدة معيشة أولى، ننطلق منها نحو الفهم والتفكير والبحث عن المعنى.
في هذا الكتاب، “علم المساكين”، لا أقدّم علماً للمترفين، ولا فلسفة للنخبويين، بل محاولة لتفكيك الحياة بعين المتواضع، بعقل المسكين، الذي لا يدّعي الفهم المطلق، بل يسعى بتواضع لمعرفة ما وراء هذا الوجود، كما وُهب له، لا كما أراده هو.